من طرف [b]
حكاية جاسوس
يوم الخميس، 23 يوليه.. أفرجت السلطات البريطانية عن وثيقة مهمة في تاريخ بريطانيا المعاصر بعد 25 عاما من حفظها في طي الكتمان.
صاحب المذكرات اسمه السير "أنتوني بلنت" وكان طيلة حياته ملء السمع والبصر حيث ظل مجتمع الصفوة الإنجليزي يضفي عليه اللقب التالي:
•• أشهر مؤرخي الفن في القرن العشرين.
رحل "أنتوني بلنت" عن الدنيا في عام 1983، وقد بلغ 75 عاما عاشها قريبا للأسرة المالكة البريطانية ومقربا من قصر بكنجهام الملكي الشهير.. ومستمتعا بمكانة بالغة التميز في صفوف الأرستقراطية الإنجليزية.
لكن هذا كله كان له الوجه الآخر من العملة:
وبقدر ما كان "السير بلنت" يعتبر واحدا من أشهر أساتذة الفن.. فقد أصبح بعد اكتشاف الجانب الآخر من شخصيته وحياته حائزا على صفة أو لقب مغاير تماما على النحو التالي:
•• انه كان واحدا من أشهر جواسيس القرن العشرين.
30 ألف كلمة
وجاء هذا الجمع بين الأرستقراطية والجاسوسية أو هذا الاقتران بين أستاذ الفن والاتحاد السوفيتي.. ليلقي مزيدا من أضواء الاهتمام على الرجل ومذكراته المفرج عنها مؤخرا بقرار من المكتبة البريطانية، وبمقتضى قانون الوثائق الذي جعل هذه المذكرات التي تضم 30 ألف كلمة وثيقة سوبر – خطيرة: أولا لأنها تحمل اعترافات الندم التي أبداها صاحبها خلال الهزيع الأخير من حياته الطويلة حين قال: "لقد كان التجسس (لحساب الكرملين السوفيتي) أكبر غلطة ارتكبتها في حياتي"، وثانيا لأن سيرة أنتوني بلنت تلقي بدورها أضواء كاشفة على الجيل الذي انتمى الرجل إليه منذ بواكير شبابه.. وقد اتسم هذا الجيل في معظمه بما يلي:
•• أصول أرستقراطية في المجتمع الإنجليزي.
•• ثقافة رفيعة وتعليم أكثر من راق بدأوه فيما يعرف باسم المدارس العامة (Public schools) وهي تعد على خلاف اسمها أعلى مستوى من معاهد التعليم الارستقراطية في طول بريطانيا وعرضها ومعظمها يتبع نظام الدراسة والإقامة الداخلية.
•• الدراسة والتخرج في أرقى جامعات انجلترا كامبردج وأكسفورد بالذات ومن ثم التفاعل مع أحدث الأفكار التي كانت مطروحة منذ ثلاثينات القرن العشرين.. ثم خلال سنوات الحرب العالمية الثانية (1939- 1945). وفي مقدمة تلك الأفكار الراديكالية دعوات الماركسية وتطبيقاتها في النظم الشيوعية التي كانت عفيّة في ذلك الزمان بقدر ما اجتذبت اهتمامات شباب تلك الفترة بفضل طروحاتها حول إنصاف قوى العمال ومكافحة الاستغلال الرأسمالي والطموح الى عالم جديد يسوده العدل الاجتماعي وتزول فيه كوابيس الاستعمار.
في غمار هذا كله.. تطوعت مجموعات من صفوة خريجي كامبردج وأكسفورد لتشكيل حلقات تجسس تجمع أخطر المعلومات وتوافي الصديق السوفيتي – الشيوعي الأكبر بأدق ما يورد في كواليس السياسة والحكم في انجلترا بل وحلفائها وكان ذلك بمثابة نكاية في أوطانها الرأسمالية في غربي أوروبا ثم في أمريكا.
حكاية خدمة الإنسانية
كانوا مقتنعين بما فعلوه. وكان تبريرهم أن كانوا يخدمون الإنسانية وكانوا يحاربون الاستغلال الرأسمالي وكانوا يساعدون التجربة السوفيتية على الصمود ضد محاولات الغرب في أوروبا وأمريكا تطويقها وحصارها وخنقها والحيلولة بينها وبين نشر نفوذها خارج نطاق روسيا، فما بالك وقد كان الكرملين الروسي وقتها يبشر بأنه سيقف نصيرا لشعوب المستعمرات ومكافحا من أجل أن تنال طبقة البروليتاريا – عمال الصناعة - حقوقها من فائض قيمة عملها وكدحها، الذي يستولي عليه الرأسماليون.
والحاصل أن السير "بلنت" عاش العقدين الأخيرين من حياته فريسة الأزمة والحصار النفسي والاجتماعي.
وفي منتصف الستينات كشفت المخابرات البريطانية عن اسمه وعن عمالته جاسوسا لحساب الروس، وجاء هذا الكشف الاستخباراتي أقرب الى دراما السينما إذ أعلنوه تحت عنوان صحفي مثير هو:
- أيها السادة.. لقد أجبنا أخيرا عن السؤال الذي يقول: من هو الرجل الرابع؟
كان الحديث يتعلق بأكبر وأهم شبكة جاسوسية بريطانية في العصر الحديث.. وكانت شبكة رباعية العضوية على النحو التالي:
جي بور جيس الذي كان رأس شبكة جواسيس جامعة كامبردج.
دونالد ماكلين الذي شارك زميله بورجيس في تجنيد زملاء الدراسة في الجامعة العريقة لحساب الأيديولوجية الشيوعية ومن ثم الاتحاد السوفيتي.
كيم فيلبي ويحمل بدوره لقب الجاسوس - الأسطورة بعد أن اختفى فجأة عن الأنظار من بيروت حيث كان يعيش ويعمل مراسلا صحفيا.
كان ذلك في يوم شتوي قارس البرودة.. بالتحديد يوم 23 يناير عام 1963.. كان الصحفي الإنجليزي كيم فيلبي يحضر حفل عشاء في العاصمة اللبنانية.. انسلّ من المائدة.. خارجا ولم يعد ولم يظهر له أثر من قريب أو بعيد.. ظل العالم يضرب أخماسا في أسداس حول أنباء اختفاء فيلبي.. ومحاولات تكييف الحدث الغريب: اختطاف.. قتل.. انتحار.. تصفية حسابات؟ ومرت 6 أسابيع أعلنوا بعدها أن "الأخ" كيم فيلبي مقيم في موسكو وأن الأصدقاء الروس – الشيوعيين طبعا – منحوه حق اللجوء السياسي في روسيا.. وكانت تلك أخطر وأشهر حادثة هروب من معسكر الرأسمالية الغربي الى معسكر الشيوعي الاشتراكي الشرقي خلال ذروة الحرب الباردة التي ظلت مندلعة بين المعسكرين.
الرجل الرابع
وخلال السنوات القليلة التي انقضت على حكاية فيلبي، ظلت دوائر الاستخبارات وميديا الإعلام في الغرب تطرح السؤال الحائر:
ترى.. من هو الرجل الرابع في منظومة جواسيس كامبردج من الشيوعيين الإنجليز؟
والحق أن كان ثمة سحابات وغيوما أحاطت باسم السير أنتوني بلنت لدرجة أن أحدقت به عشرات من علامات الاستفهام عن ماضيه وسلوكياته وانتماءاته الأيديولوجية منذ أيام الشباب والدراسة في كامبردج.
ورغم أن المخابرات البريطانية بدأت تمسك بخيوط يقود معظمها الى أنتوني بلنت، إلا أن مؤسسة الأرستقراطية في بريطانيا ظلت حريصة على إبقاء الأمر طي الكتمان.. الى أن دخل الى الساحة كتاب أدى الى كشف المستور:
لقد جاء عام 1979 ليجد عددا كبيرا من ضباط مخابرات الإنجليز في حالة سخط وتبرم شديدين.
•• لماذا؟
•• لأن تحرياتهم كشفت لهم عن شخصية "بلنت" بوصفه العميل – الجاسوس رقم 4 في مجموعة التجسس ومع ذلك فقد حرص سدنة المؤسسة البريطانية على احاطة الأمر بسياج من الكتمان.
ولكن في كتابه المهم والطريف أيضا بعنوان "الجواسيس الذين غيروا مجرى التاريخ" يتابع المسألة الكاتب الأمريكي أرنست فوكمان.. يوضح أن مشاعر السخط الحانق أفضت بضباط المخابرات البريطانية الى تسريب معلومات عن قضية "بلنت" الى الكاتب الإنجليزي "أنتوني بويل".. يومها لم يضيع الأخ بويل وقتا.. بادر الى تأليف كتابه الشهير الذي انفجر صدوره مثل قنبلة دوى قصفها في أركان "المؤسسة" إياها.. وجاء الصدور أقرب الى عاصفة عاتية في دنيا التأليف والأسرار والأمن القومي على السواء.
كيف لا وقد حمل الكتاب عنوانه التالي:
•• الرجل الرابع
كان ذلك في عهد السيدة تاتشر، أول رئيسة وزراء لبريطانيا العظمى.
مسلسل الجزاءات
هكذا عرف الناس من هو رابع أهم وأخطر جواسيس من الانجليز الذين غيروا مسار التاريخ على مدار الثلث الثاني من القرن العشرين. بعدها عاش "بلنت" كابوس السنوات الختامية من حياته.. تابع سهام الهجوم التي دمغته بتهمة الخيانة العظمى.. طردوه من وظيفة أمين مجموعة المقتنيات الملكية.. جردوه من لقب "سير" حين نزعوا عنه وسام الفارس الممنوح من "صاحبة الجلالة الإمبراطورية".. فكر الرجل في الانتحار.. ثم عدل عن القرار واصفا الفكرة بأنه "حل جبان".
ولسوف يقرأ الناس مذكرات الثلاثين ألف كلمة المفرج عنها مؤخرا.. ولسوف يدهشهم أن "بلنت" لم يكن مقتنعا بالماركسية ولا كان معجبا بالشيوعية.. لكن الرجل تورط بفعل دوامة أحداث ما قبل الحرب العالمية.. وصعود هتلر الى السلطة وضغوط الرفاق من طلاب كامبردج.. وربما نزوع الشباب الى التحدي وركوب قطار المغامرة في محاولة من أجل استكشاف الجديد.
---------------------------------------
* بقلم محمد الخولي
خبير في الاعلام الدولي
انشالله يعجبكم اول موضوع بهالقسم
ابي ردودكم الحلوة
حكاية جاسوس
يوم الخميس، 23 يوليه.. أفرجت السلطات البريطانية عن وثيقة مهمة في تاريخ بريطانيا المعاصر بعد 25 عاما من حفظها في طي الكتمان.
صاحب المذكرات اسمه السير "أنتوني بلنت" وكان طيلة حياته ملء السمع والبصر حيث ظل مجتمع الصفوة الإنجليزي يضفي عليه اللقب التالي:
•• أشهر مؤرخي الفن في القرن العشرين.
رحل "أنتوني بلنت" عن الدنيا في عام 1983، وقد بلغ 75 عاما عاشها قريبا للأسرة المالكة البريطانية ومقربا من قصر بكنجهام الملكي الشهير.. ومستمتعا بمكانة بالغة التميز في صفوف الأرستقراطية الإنجليزية.
لكن هذا كله كان له الوجه الآخر من العملة:
وبقدر ما كان "السير بلنت" يعتبر واحدا من أشهر أساتذة الفن.. فقد أصبح بعد اكتشاف الجانب الآخر من شخصيته وحياته حائزا على صفة أو لقب مغاير تماما على النحو التالي:
•• انه كان واحدا من أشهر جواسيس القرن العشرين.
30 ألف كلمة
وجاء هذا الجمع بين الأرستقراطية والجاسوسية أو هذا الاقتران بين أستاذ الفن والاتحاد السوفيتي.. ليلقي مزيدا من أضواء الاهتمام على الرجل ومذكراته المفرج عنها مؤخرا بقرار من المكتبة البريطانية، وبمقتضى قانون الوثائق الذي جعل هذه المذكرات التي تضم 30 ألف كلمة وثيقة سوبر – خطيرة: أولا لأنها تحمل اعترافات الندم التي أبداها صاحبها خلال الهزيع الأخير من حياته الطويلة حين قال: "لقد كان التجسس (لحساب الكرملين السوفيتي) أكبر غلطة ارتكبتها في حياتي"، وثانيا لأن سيرة أنتوني بلنت تلقي بدورها أضواء كاشفة على الجيل الذي انتمى الرجل إليه منذ بواكير شبابه.. وقد اتسم هذا الجيل في معظمه بما يلي:
•• أصول أرستقراطية في المجتمع الإنجليزي.
•• ثقافة رفيعة وتعليم أكثر من راق بدأوه فيما يعرف باسم المدارس العامة (Public schools) وهي تعد على خلاف اسمها أعلى مستوى من معاهد التعليم الارستقراطية في طول بريطانيا وعرضها ومعظمها يتبع نظام الدراسة والإقامة الداخلية.
•• الدراسة والتخرج في أرقى جامعات انجلترا كامبردج وأكسفورد بالذات ومن ثم التفاعل مع أحدث الأفكار التي كانت مطروحة منذ ثلاثينات القرن العشرين.. ثم خلال سنوات الحرب العالمية الثانية (1939- 1945). وفي مقدمة تلك الأفكار الراديكالية دعوات الماركسية وتطبيقاتها في النظم الشيوعية التي كانت عفيّة في ذلك الزمان بقدر ما اجتذبت اهتمامات شباب تلك الفترة بفضل طروحاتها حول إنصاف قوى العمال ومكافحة الاستغلال الرأسمالي والطموح الى عالم جديد يسوده العدل الاجتماعي وتزول فيه كوابيس الاستعمار.
في غمار هذا كله.. تطوعت مجموعات من صفوة خريجي كامبردج وأكسفورد لتشكيل حلقات تجسس تجمع أخطر المعلومات وتوافي الصديق السوفيتي – الشيوعي الأكبر بأدق ما يورد في كواليس السياسة والحكم في انجلترا بل وحلفائها وكان ذلك بمثابة نكاية في أوطانها الرأسمالية في غربي أوروبا ثم في أمريكا.
حكاية خدمة الإنسانية
كانوا مقتنعين بما فعلوه. وكان تبريرهم أن كانوا يخدمون الإنسانية وكانوا يحاربون الاستغلال الرأسمالي وكانوا يساعدون التجربة السوفيتية على الصمود ضد محاولات الغرب في أوروبا وأمريكا تطويقها وحصارها وخنقها والحيلولة بينها وبين نشر نفوذها خارج نطاق روسيا، فما بالك وقد كان الكرملين الروسي وقتها يبشر بأنه سيقف نصيرا لشعوب المستعمرات ومكافحا من أجل أن تنال طبقة البروليتاريا – عمال الصناعة - حقوقها من فائض قيمة عملها وكدحها، الذي يستولي عليه الرأسماليون.
والحاصل أن السير "بلنت" عاش العقدين الأخيرين من حياته فريسة الأزمة والحصار النفسي والاجتماعي.
وفي منتصف الستينات كشفت المخابرات البريطانية عن اسمه وعن عمالته جاسوسا لحساب الروس، وجاء هذا الكشف الاستخباراتي أقرب الى دراما السينما إذ أعلنوه تحت عنوان صحفي مثير هو:
- أيها السادة.. لقد أجبنا أخيرا عن السؤال الذي يقول: من هو الرجل الرابع؟
كان الحديث يتعلق بأكبر وأهم شبكة جاسوسية بريطانية في العصر الحديث.. وكانت شبكة رباعية العضوية على النحو التالي:
جي بور جيس الذي كان رأس شبكة جواسيس جامعة كامبردج.
دونالد ماكلين الذي شارك زميله بورجيس في تجنيد زملاء الدراسة في الجامعة العريقة لحساب الأيديولوجية الشيوعية ومن ثم الاتحاد السوفيتي.
كيم فيلبي ويحمل بدوره لقب الجاسوس - الأسطورة بعد أن اختفى فجأة عن الأنظار من بيروت حيث كان يعيش ويعمل مراسلا صحفيا.
كان ذلك في يوم شتوي قارس البرودة.. بالتحديد يوم 23 يناير عام 1963.. كان الصحفي الإنجليزي كيم فيلبي يحضر حفل عشاء في العاصمة اللبنانية.. انسلّ من المائدة.. خارجا ولم يعد ولم يظهر له أثر من قريب أو بعيد.. ظل العالم يضرب أخماسا في أسداس حول أنباء اختفاء فيلبي.. ومحاولات تكييف الحدث الغريب: اختطاف.. قتل.. انتحار.. تصفية حسابات؟ ومرت 6 أسابيع أعلنوا بعدها أن "الأخ" كيم فيلبي مقيم في موسكو وأن الأصدقاء الروس – الشيوعيين طبعا – منحوه حق اللجوء السياسي في روسيا.. وكانت تلك أخطر وأشهر حادثة هروب من معسكر الرأسمالية الغربي الى معسكر الشيوعي الاشتراكي الشرقي خلال ذروة الحرب الباردة التي ظلت مندلعة بين المعسكرين.
الرجل الرابع
وخلال السنوات القليلة التي انقضت على حكاية فيلبي، ظلت دوائر الاستخبارات وميديا الإعلام في الغرب تطرح السؤال الحائر:
ترى.. من هو الرجل الرابع في منظومة جواسيس كامبردج من الشيوعيين الإنجليز؟
والحق أن كان ثمة سحابات وغيوما أحاطت باسم السير أنتوني بلنت لدرجة أن أحدقت به عشرات من علامات الاستفهام عن ماضيه وسلوكياته وانتماءاته الأيديولوجية منذ أيام الشباب والدراسة في كامبردج.
ورغم أن المخابرات البريطانية بدأت تمسك بخيوط يقود معظمها الى أنتوني بلنت، إلا أن مؤسسة الأرستقراطية في بريطانيا ظلت حريصة على إبقاء الأمر طي الكتمان.. الى أن دخل الى الساحة كتاب أدى الى كشف المستور:
لقد جاء عام 1979 ليجد عددا كبيرا من ضباط مخابرات الإنجليز في حالة سخط وتبرم شديدين.
•• لماذا؟
•• لأن تحرياتهم كشفت لهم عن شخصية "بلنت" بوصفه العميل – الجاسوس رقم 4 في مجموعة التجسس ومع ذلك فقد حرص سدنة المؤسسة البريطانية على احاطة الأمر بسياج من الكتمان.
ولكن في كتابه المهم والطريف أيضا بعنوان "الجواسيس الذين غيروا مجرى التاريخ" يتابع المسألة الكاتب الأمريكي أرنست فوكمان.. يوضح أن مشاعر السخط الحانق أفضت بضباط المخابرات البريطانية الى تسريب معلومات عن قضية "بلنت" الى الكاتب الإنجليزي "أنتوني بويل".. يومها لم يضيع الأخ بويل وقتا.. بادر الى تأليف كتابه الشهير الذي انفجر صدوره مثل قنبلة دوى قصفها في أركان "المؤسسة" إياها.. وجاء الصدور أقرب الى عاصفة عاتية في دنيا التأليف والأسرار والأمن القومي على السواء.
كيف لا وقد حمل الكتاب عنوانه التالي:
•• الرجل الرابع
كان ذلك في عهد السيدة تاتشر، أول رئيسة وزراء لبريطانيا العظمى.
مسلسل الجزاءات
هكذا عرف الناس من هو رابع أهم وأخطر جواسيس من الانجليز الذين غيروا مسار التاريخ على مدار الثلث الثاني من القرن العشرين. بعدها عاش "بلنت" كابوس السنوات الختامية من حياته.. تابع سهام الهجوم التي دمغته بتهمة الخيانة العظمى.. طردوه من وظيفة أمين مجموعة المقتنيات الملكية.. جردوه من لقب "سير" حين نزعوا عنه وسام الفارس الممنوح من "صاحبة الجلالة الإمبراطورية".. فكر الرجل في الانتحار.. ثم عدل عن القرار واصفا الفكرة بأنه "حل جبان".
ولسوف يقرأ الناس مذكرات الثلاثين ألف كلمة المفرج عنها مؤخرا.. ولسوف يدهشهم أن "بلنت" لم يكن مقتنعا بالماركسية ولا كان معجبا بالشيوعية.. لكن الرجل تورط بفعل دوامة أحداث ما قبل الحرب العالمية.. وصعود هتلر الى السلطة وضغوط الرفاق من طلاب كامبردج.. وربما نزوع الشباب الى التحدي وركوب قطار المغامرة في محاولة من أجل استكشاف الجديد.
---------------------------------------
* بقلم محمد الخولي
خبير في الاعلام الدولي
انشالله يعجبكم اول موضوع بهالقسم
ابي ردودكم الحلوة
